الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، مع ملكة إسبانيا، ليتيسيا، خلال زيارة إلى مدريد (أ ف ب)
يحيى دبوق
الجمعة 21 شباط 2025
تُعد خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة، واحدة من أكثر الأفكار «جرأة وإثارة للجدل» في تاريخ السياسات الأميركية إزاء المنطقة والصراع مع إسرائيل. والخطة تلك، التي كانت حتى وقت قريب مجرّد طرح نظري يتبنّاه اليمين الإسرائيلي المتطرّف، بدأت تأخذ بعداً جديداً على الساحتين الدولية والإقليمية، نتيجة طرحها من أعلى سلطة سياسية في واشنطن.
ورغم أن ترامب هو الذي أطلق هذا الطرح، ما يعني أنه انتقل به من دائرة الخيال إلى دائرة الإمكان، إلا أن التجاذبات الداخلية في تل أبيب لا تزال قائمة بشأن كيفية التعامل معه. وبينما لم يتم اتخاذ قرار رسمي ومباشر بتنفيذ «رؤية ترامب» بشكل علني، تفيد بعض الإشارات بوجود رغبة إسرائيلية في تحقيق هدف التهجير، إذا توافرت الظروف المناسبة. ومع ذلك، إن الواقع الحالي - سواء محلياً أو إقليمياً أو دولياً - لا يبدو أنه يتيح مثل هذه الفرصة في المدى القريب.
وعليه، يبدو أن إسرائيل تفضّل دفع الدول الأخرى، وخاصة مصر والأردن، إلى تولي المهمة وتحمّل العبء الأكبر لتحقيق ما عجزت هي عن تحقيقه عبر الحروب، وذلك من بوابة خطة ترامب نفسها: إنهاء حكم حركة «حماس» في غزة. لكن كيف يمكن تحقيق هذا المطلب؟
رغم التصريحات الداعمة لخطة ترامب، والتي صدرت عن غالبية الأوساط السياسية الإسرائيلية، إلا أن التشكيك كان سيد الموقف لدى الخبراء والمراكز البحثية وكبار الكتّاب في الإعلام العبري، نظراً إلى طبيعة الظرف الدولي والإقليمي، وتمسك الفلسطينيين بأرضهم، وممانعة الدول التي يُراد ترحيلهم إليها. ومن هنا، يعتقد هؤلاء أنه لا إمكانية لتمرير مثل هذه الخطة من دون مواجهة صعوبات كبيرة قد تعرقلها أو تجعلها غير قابلة للتطبيق، وأن أي خطوة متسرّعة أو مباشرة في اتجاهها قد تؤدي إلى تعقيد الموقف بدلاً من تسهيله.
هل ستكون خطة ترامب هي «خطة الخلاص» لإسرائيل من مستنقع غزة؟
ومع ذلك، يرى عدد من المحللين أن قيمة خطة ترامب لا تكمن فقط في إمكانية تنفيذها من عدمه، بل في أنها تقدّم فرصة لإسرائيل لدفع الآخرين إلى التدخل في قطاع غزة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية. إذ تعاني هي، ومنذ سنوات، من صعوبة تحقيق تلك الأهداف ضد حركة «حماس» في القطاع، سواء عبر الحروب أو العمليات الأمنية، فيما ظلّت الإشكالية الحاضرة أمامها دائماً: من سيتولى إدارة غزة في اليوم الذي يلي الحرب؟
وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى خطة ترامب كأداة ضغط على الدول الإقليمية، خاصة مصر والأردن، للعمل على تقديم حلول بديلة تراعي المصالح الإسرائيلية. إذ في حال شعرت هذه الدول بأن الترحيل الجماعي للسكان الفلسطينيين من القطاع قد يكون الخيار الوحيد المطروح، والذي تسعى إليه كل من تل أبيب وواشنطن، فمن المرجح أن تسعى إلى تقديم بدائل عملية تمنع تداعيات تنفيذ خطة التهجير على مصالحها الوطنية، وفي الوقت نفسه تضمن تحقيق الأهداف الإسرائيلية.
بناءً عليه، تبرز مقترحات داخل إسرائيل، خاصة من المراكز البحثية والإستراتيجية، تدعو إلى إنهاء صفقة تبادل الأسرى كخطوة أولى قبل الانخراط في تنفيذ خطة ترامب. والهدف من ذلك هو تخفيف الضغوط الداخلية تمهيداً للعمل بهامش مناورة أكبر في غزة، وإزالة العقبات التي قد تعيق تنفيذ تلك الخطة، ثم دفع الدول الإقليمية إلى التحرّك بشكل أسرع وأكثر فاعلية لإيجاد الحلول. لكن يبقى السؤال المهم: هل ستكون رؤية ترامب أو بدائلها هي «بوابة الخلاص» لإسرائيل من مستنقع قطاع غزة؟ يبدو أن الخيارات المتاحة أمام الكيان محدودة نسبياً، فيما العودة إلى الحرب ليست حلاً فعالاً. ولذلك، قد تجد إسرائيل في طرح التهجير، رغم كل ما يحيط به من جدل وتعقيد، أفضل سبيل لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في غزة.